تحيَّة للدكتورة هيفاء بيطار
September 23, 2023, 8:12 pm, By Almohannad Alnasser
إن رؤيتي البعيدة المدى تكمن في أنني أنظر من فوق كتفي عملاق، فكيف إذا كان هذا العملاق امرأة؟ وكيف إذا كانت هذه المرأة بمليون امرأة؟ أذكرُّ ذات سنةٍ في طفولتي، تلك الرواية التي أحضرتها والدتي لتقرأها. صورة الغلاف واسم الرواية لا يزالان محفورين بذاكرتي حتى هذه اللحظة، وكأن ذاكرتي الصوريّة قد حجزت مكاناً خاصاً لأرشفة "قبو العباسيين" أما اسم الكاتبة فهو أكبر بكثير من أن يتسع له عمق ذاكرتي المديدة، الدكتورة: "هيفاء بيطار" أذكر أن الكتاب بقيَّ قابعاً في مكتبة المنزل كأيقونة تزينها بجانب كتاب "عشيق السيدة تشيترلي" Lady Chatterley's Lover وأذكر أني حين بلغت الخامسة عشر من عمري أمسكت بالرواية وقرأتها دفعةً واحدة، وكأني تنتالوس وقد تحرر من لعنته الأبدية.
قبل أيامٍ قليلة كان لي شرف الحديث مع الدكتورة الذي لا يمكنني تشبيهه إلّا بحوار لازوردي لسلفادور دالي مع الدكتور فرويد، وكان لي شرف أن تهديني كتابها "امرأة من هذا العصر". هذه المرة ابتلعني كتابها إلى هوّةٍ كونيةٍ عميقةٍ من المشاعر الإنسانية والنفسية والرؤى الفلسفية، رسالةٌ في الحب لم يمر على أكوانها عاشقٌ أوقبطانٌ، عشت فيها بأطلالٍ لم يقف على دوارسها شاعر، وقرأت تاريخاً من الظلم والعنف والتهميش، تاريخاً اختصرته الدكتورة بكلماتٍ ثلاثة: "ذاكرة المرأة نهدها" تلك الجملة كانت صفعةً أيقظت في داخلي كل السمات الإنسانية الرفيعة وكانت منعطفاً آخر في حياتي بعدَّ أن ظننت مخطئاً أنني تجاوزت كل المنعطفات من ديستوفسكي إلى كافكا إلى هيسه إلى ساراماغو، لأدرك أن منعطف الدكتورة هيفاء يعيدني نحو البداية، نحو قبو العباسيين الذي تمنيت العيش فيه و لو لليلةٍ واحدة، و لأجد أنني أنجرف في هيام "مريم" وأتمنى لو أنني كنت واحداً من عشاقها ولكن عاشقاً مختلفاً، عاشقاً كان قد وقف في مدرسة الدكتورة هيفاء وتعلم منها كيف يكون الحب.
دكتورة هيفاء أشكر كرمَّكِ وتواضعك، و أؤكد لك أن ما أكتبه عنك إنما "محركه ُ دافع الحب وليس شعوراً بواجب"، كما علمتني في تحفتك "امرأة من هذا العصر".
المهنَّدْ النَاصِرْ