بأي ذنبٍ قتلت

September 8, 2023, 11:37 pm, By Almohannad Alnasser


post image

أشنَع مَا فِي المَوت أن يَأتِي بَطِيئاً مُحدِقاً بِعَينَيك كُلَ يومٍ، مُستَرسِلاً فِي نَظرَاتِه الخَسِيسَة المُتلَذِذَة بِرُؤية خَوفٍ يَسكُن جَوارِحَك، كَم يَعزُّ عَليَّ أَن أَرَاكِ تَمُوتِين بِبطء، لَم أَلمَحَكِ يَومَاً مَهزُومة أو حَافية أو بَاكِية، رأيتُك بَارِدَةً كَكوخٍ مِن جَلِيد مَا ظَهَرت عَليه شَمسٌ ولا تَوسمهُ بَدر، صَقيعٌ يَلفُك كَكَفَن لا لَونَ لهُ، مَا أقبح أَن يَكُون الكفنُ بِلا لَون. سَيدَتِي أَيَقتُلك البَردُ؟

أَنَا يَقتُلُني نِصفُ الدِفءِ ونِصفُ الدِينِ ونِصفُ الخُلقِ ونِصفُ الحَلِ ونِصفُ المَوتِ ونَصفُ العَيشِ ونِصفُ المَوقِفِ أَكثَر.

مَمنُوعةٌ أَن تَستَشهِدِي، كُونِي ثَلّاجَة مَوتَى، بَعضُ النَاسِ جَرائِم كُبرَى وأَنتِ سبيّة، أَتَذكُرِيِن مُنذُ عَامٍ حِينَ رَكلَك زَوجُكِ المُقدَس علَى خاصَرَتك وأَجهَضتِ جَنِينَهُ، دَعوتِ يَومَها المَوت أن يَنتَشِلَكِ مُباغَتَةً وأن يُنهِي تَحديقَه الطَويل، ولَكِن واحسرَتَاه، مَا أنقَصَكِ ألِهذا الحَد مِن السٌخف صِرتِ جَامِدةً كتابُوت وَثنِي؟ أم هُو قَلبُك الهَش مَا زالَ يَحمل عَلى صاحِب الطَريقَة الذِي استَجدَيتِه أن لَا يَنصَح زَوجَك بِالتَعدُد، فأنتِ تَحتَاجين فَقَط لِمُساعَدة مُختَصٍ لِتَتَجاوزِي أَزمَة وأدِ نَفسِك مِن غَيرِ سَائِل عَنهَا، بَعدَ أن هُجِّرتِ مِن مَنزِلِ والِديكِ إِلى قَفَصٍ أزلي وأنتِ بَعدُ مُراهِقَة، ونَظرتِ حَولَكِ وكُنتِ غَريبَةً فِي مُنتَصفِ لَيلٍ لُجيٍ يَغشَاه قَبرٌ وظُلُمَات، حِينَها هَاجَمَكِ أتبَاعُ صَاحِبِ الطَريقَة الجَليل عَلى مَواقِع التَواصِل الاجتِماعِي الزَرقَاء، شَتمُوك ولَعنُوا والِدكِ وأُمَكِ واتَهَموكِ بِالعُهرِ والانحِلال وبَأشنَعِ الأَوصَاف ثُم أمرُوا بَعلَكِ أن يَنزَع غِطاءَ الرَأس عنْ شَعرِك ويَفقَأ عينَك اليُسرى ثُم يردُكِ إلى أهلكِ صاغِرَة مُنَكَسَة الجبِين مَا أكفَركِ أيتَها الشُيوعِية، اللِيبرالية الجَحُود. عُذراً لَم أقصِد شَتمك "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحِش، ولا البَذي" وأقول: "ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسُوق بعد الإيمان ومن لم يتُب فأولئك هم الظالمون". سامِحِينا فَهُو مِن الأَوليَاء المُتَمدِنِين أَخبَرنا أَنكِ كافِرة، ومُتَأسلِمَة، لا تُلقي بِاللومِ عَلينا فلرُبَما حَالَتك هَذِه سَببها هِيستِيري يرجِعُ إلى تِلك الحادِثة عِندما اعتَرفتِ بالإنسَانِية حين اختَلَستِ رَأيَاً يُوحِي بِحقِ الأُم فِي الحَضانة الكاملة والتِي تُوازي حضانة الأب وأن تَكون القرَارَات مُشتَركة، تَباً كيفَ صِرت مِن أُولئِك القَوم، أَنَسيتِ أن تُهمة الإنسِانية خَطِيرة وهُناك مُخابَرات وشُرطة سِريّة ورِجَال أمنٍ وجَلادِين ومُحقِقِين وكِلاب بُوليس ومَحاكم تفتيشٍ ستُحرِقك كَمَا أحرقُوا "بيترونوليا دومياث" Petronilla de meath، أو يَرمُوا بِك مِن الشرفة كمَا رُميَت فتاة "حيّ الزُهُور"، لكنهم وللحَقِ كانُوا رَحيمين بِك وأرغَمُوكِ عَلى دُخول المَطبَخِ وعَدم إبداء الرَأي، رُبما أشفقُوا عليكِ لأنّكِ فِي نَظرِهِم كائِنٌ ذُو رُتبة أَدنَى عَلى سُلّمِ التَطوُر، عُذراً كَما سَميتها لِي ذات مَساء شَجَرةِ التَطُور، نَعم فأنتِ ما زِلتِ لا تستطيعين قَضاءَ حاجَتك وَاقِفة، ومَا يُصنِف نِظامَنا الاجتِماعِي هوَ بالتَأكِيد قَضاء حاجات أَصحَابِه مُنتَصِبين، لَعنُوكِ ألفَ لعنَة واكتَفُوا بِسُبِابكِ، فَهُم يَعلَمُون أنَّ المَوت البَطِيء أشدُّ وطأة.

تَبتَغين المَوت هَا أنتِ يا عَزيزتِي عَلى ثَلاجة الأَموَات، هل يُسمَح لِي أن أكشف عَن وَجهِك لأرى كيف بَاغتكِ المَوت؟ لا لَن يسمَحوا لِي، قَالُوا في التَقرير أنكِ سقطتِ عَلى الدَرج، وآخر حرّرَ أنَكِ وَقَعتِ مِنَ الشُرفَة، وتَقرِيرٌ ثالِث أعلَنَ أنكِ ذَهَبتِ إلى ذاك الجِدار المُصفر القَابِع في خِدرِك وفَجَرتِ رَأسَكِ عَليهِ ثَلاثَاً، وتَلقَى النَاس خَبَرَ مَوتكِ بغضبِهم البَارد وعَواطِفِهم المُشَوهَة، زوجك الرؤُوم ذَكَرَ فِي التَحقِيق بِأنه أمسَك بِرأسك اشفاقاً كي لَا تَمُوتي، أو تموتي، "وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" ولَكِن حينَ شاهدَ القَيء يُغطي ثِيابه تَرككِ هُنَاك مُمَدَدَة تُهادِنِين لَحظَاتِ احتضارك. تَخَيَلِي استَكثَرُوا عَليكِ شَرفَ الشَهَادَة لِذا نَقَلَكِ إِلى المُستشفى حَملّ بقايا جَسدِكِ الفَانِي مع أُمِهِ حَمَالة الحَطَب لِتَشهَدَّ أن مَوتَكِ كَان بِلا سَبَبْ، لَم يُرِيدوك أن تبقَي وحِيدةً فِي صَقِيع الانفِراد فَها هِيَ صَديقتك الملاك مفقُوءة العَينَين عَلى السَرير المُجاوِر تتَمنى أن يُباغِتَها المَوت، لا تَحزَني أيتُها الأثِيرة فَهناك آلاف الأَرواحِ تطير وتَنسِج تَاريخاً مُزرِياً لا يَبتلعه ثقبٌ أسوَد، لَا تَحزَنِي فَلَن أَتَنَكَر لكِ أَيتُها الأُم، الأمل، الرمز، لَن أتنكّر لِعينَيكِ الحَالِمتِين اللتين عَاشَتا إِرهَاب الخَوفِ والقَلَقِ والتَهمِيشِ، لن يَشتُمكِ شَخصٌ بَعدَ اليَوم لِمُجَردِ أنك طَالَبتِ بِإنسَانِيَتِكِ، لَن يَنهَشك ضبعٌ لأنك ناقَشتِ مَورُوث عادَاتِه الهَمجية وقصة التهامه للجيَّف، لَن يَهزِمك تجارُ الخُرَافَة، لَن يَكتُم اللصُوص شَذى صَرخَتِكِ، ولَن يَقمَع الظُلم هياجَ أفكارك فأنت "خولة ومريم وأسماء وسبأ وبلقيس" وأنت إن شئت "جان دارك" و"صوفيا شول" و "روزا ليكسمبورغ" و"فلورا تريستان" وأنت إن شئت أن تكوني أنت ولا شيء إلّا أنت، شَمسٌ لَا تُغطِيها نِصفُ عَباءَة ونِصفُ مُجتَمَع وأنصافُ رِجَال.

إلى جميع النساء اللواتي يَتَعرضن للعُنفِ بِحُجةِ البَيئَة والعَادَات والتَقالِيد والثَقافة، وإلى جَميعِ الشَهيدات اللواتِي قضين نَحبَهُن بِلا ذنبٍ غير أن المنظومة الاجتماعية لم تَحمِيهن، وإِلى كل مَن شُتمت وتشتم ويُكتَم صَوتها لِأنها قَالت كَلِمة حَقٍ أمَام مُجتَمعٍ جَائِر.

المُهَنَّدْ النَاصِرْ – تُورُنتُو ١٨-٧-٢٠٢٣


التعليقات



أضف تعليق
الاسم
البريد الالكتروني
التعليق

© Copyright Maher Sarem 2024

Facebook Twitter LinkedIn instagram tiktok youtube