لوحة الملائكة

September 9, 2023, 12:52 am, By Almohannad Alnasser


post image

يَمتَزِجُ غروبٌ ريفيٌ أسّيٌ، ويُقرَع جَرَسٌ بَعِيد فيَترُك المَلاكينِ المُزارِعَين ذَكَرَاً وأُنثَى حَصادِهُم الحَثِيث فِي حَقلِ البَطَاطِس ويَخشَعَا بِصَلاةٍ وَرِعَة.

هَذَا تَفسِيرٌ أوليِ إذا مَا شَاهَدتَ لَوحَة فَرانسَوا مِيليه المَلائِكة L'Angélus لِأَولِ مَرَّةٍ، ولكن مَاذَا لو حَلّتْ عَلِيكَ لَعنَتها وقَررْت أَن تَقتَني نُسخَةً مِنهَا، عِندَها فَقَط سَتذُوب فِي تَأمُلٍ رُوحِي ثُم يَنقَلِبُ التَأمُل إِلى إِدمَان ولرُبَمَا هَذا مَا أَصَابَ السِلفَادُور دَالِي حَينَ بَاتَ مَهوُوسَاً بِها فَوصَلت هُواجِسه إِلى الحدِ الذِي دَفَعَهُ إِلَى أَن يَكتُب عَنهَا كِتَاباً بِعنوان "الأَسطُورَة المَأسَاوِية لِمَلائِكة مِيليِه" The Tragic Myth of Millet’s ‘Angelus’ ويَخرُج بِهِ بِنَظَرِيَة جَديدة، يّرى فِيها مَا لَم يَراهُ غَيرَهُ فَالرَجُل والمَرأَة لا يَقِفَان بِالحَقلِ بِسَبَبِ أَجرَاسِ الكَنِيسَة ولَكنَّهما يُصلِيّان عَلَى قَبرِ ابنِهما الطِفلْ، وأَصَرّ عَلى رَأيِه حَتى قَررَّ مَتحَف اللُوفر بَعدَ أَربَعِين عَاماً مِن ادِّعَاءاتِه أنْ يَفحَصها بِالأَشعَةِ السِينِيَّة وكَانَت الصَدمَة حِينً وَجَدُوا تَحت سَلَّة البَطاطِس تَابُوتاً صَغِيراً وكَأنَّ "مِيليه" رَسَمَّهُ قَبلَ أن يرسم الطبقات الأخرى في الصورة. لَرُبَمَا اللّعنَة فِي مَلائِكة مِيليِه قَد انتَقلت إليّ فِي لَحظَةٍ مِن لَحظَاتِ حَياتِي حِينَ كُنت أراقِبهَا عَن كَثب فِي مَنزِلِ جَدي مُعلقَة عَلَى الحائِط الرَئِيسي لِلصَالة لِتطارِدُنِي بَعدَ ذَلِك إِلّى كُلِ مَنزِلٍ سَكَنته فَتتَصدَّر الأثاث في كل مرّة.

شَاهَدتُ فِيها صَلاةً خَاشِعَةً "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ" ثُمَّ رأَيتُ فِيها اِختِصَارَاً لِقِصَة الخَلْق، فًسَرتَها بِطرِيقَة عِلمِ النَفسِ "الفُرويدِي" لِتَتَمثّل ليَّ السَلّة بِجَانِب المَرأَة كرَمز للرحم الأنثوي وخصوبته، وكَان المِعوَل بِجَانِب الرَجُل رَمزَاً لِرغبَة التكاثر، رَأيتُ فِيهَا كَيفَ تنقسم الأشياء إلى أزواج وكيف يسيطر عليها مزيجٌ مَا بَينّ الماديّة البحتة والواقِع المُجرّد والروحانية الشفافة، تَظهَر الأُنثَى لِي أَنها تَتَضَرَع إِلى الله بِتفانٍ دِينِي أن يَغفِر ذَنبَ زَوجِها فِيمَا يَظهَر الرَجُل وكَأنَهُ خَجِلٌ مِن إِثمٍ اِقتَرفَهُ. أراقِبُ أَخِيراً العَلاقَة الرُومانسية والرَغبَة فِي الاِتِحَاد بِوضعيَة وقوفِهما المُتقَابِلَة لِتُصبِح الأَشيَاء غَير المُستَقِرَة والغَريبة واقِعاً مألوفاً من ضبابيةٍ حَمِيمِيَة.

المهند الناصر


التعليقات



أضف تعليق
الاسم
البريد الالكتروني
التعليق

© Copyright Maher Sarem 2024

Facebook Twitter LinkedIn instagram tiktok youtube