سايكولوجيّة العنف والصّدمة: نظرةٌ أنثروبولوجيّةٌ سيكولوجيّةٌ إلى العنف الجنسيّ من فيلم "اللاعودة" Irreversible

January 16, 2024, 9:30 pm, By Almohannad Alnasser


post image

في أولى محاضرات جامعة ملبورن للإخراج السّينمائيّ سألنا دكتور مادة تحليل الصّورة المتحركة عن الفيلم الذي نتمنّى لو قمنا بإخراجه، وحين جاء دوري كانت إجابتي بكلمةٍ واحدة "اللّاعودة" Irreversible وتكفّلت هذه الإجابة بوضعي في مصافّ المجانين أو المنحرفين لدى من لم يتمكّنوا من إنهاء الفيلم. ولست في هذا المقام ألومهم على قرارٍ كهذا، فحين تهوي أمام افتتاحيّة فيلم بكاميرا مقلوبةٍ وكادر معكوسٍ وحركةٍ عشوائيّةٍ دورانيّةٍ غير منتظمةٍ، فيما الإضاءة والألوان يغلب عليهما الأحمر الصّاخب، وتتداخل المؤثّرات الصّوتيّة مع صورةٍ مشوّشةٍ بضجيجٍ أبيض وصفارات إسعافٍ وشرطةٍ، وفوق ذلك كلّه يتمّ احتجازك في غرفةٍ صفراء الجدران بين رجلين لا يبعث شكل أيّ منهما على الارتياح فأحدهما هو سجينٌ سابقٌ وعارٍ بلا أخلاق (صورة ٢)، والآخر يدخّن بشراهةٍ مبرّراً أفعال صديقه اللا أخلاقية ويعدها طبيعيّةً، وكأنّهما صراع العقل الباطن في النّفس البشريّة والذي يتقلّب بين الصّواب والخطأ، ثمّ تنحرف الكاميرا مجدّداً خارجةً من تلك الغرفة تاركةً في لا وعيك جملة "الوقت يمحو كلّ شيءٍ" مدخلةً إياك في دوّامةٍ أكثر اضطراباً من المشاهد المقزّزة لأحد نوادي المثليّين في باريس (صورة ٣)، كلّ هذا في الدّقائق العشر الأولى والتي سترغم المشاهد على مغادرة قاعة السّينما أو إيقاف الفيلم الذي لا يقيم اعتباراً لأيّ فلسفةٍ أخلاقيّةٍ أو غيرها بل ينحدر إلى مستوى الطّبيعة البشريّة الصّرفة القائمة على اللّاأخلاق والبهائميّة. يصوّر الفيلم حالةً من التّشوّش الاجتماعيّ في عالمٍ تحكمه الفوضى وتتحكّم به، بالإضافة إلى أفعالٍ وخياراتٍ شخصيّةٍ تعتمد على العواطف الخام والبناء المتهالك لمفاهيم الخير والشّرّ.

يحاول مخرج الفيلم "جاسبر نوا" Gaspar Noé بتلك الطّريقة الغريبة أن يسلّط الضّوء على عدّة طبقاتٍ في سايكولوجيّة النّفس بشقّيها الشّخصيّ والاجتماعيّ، وطبيعة الذّاكرة الإنسانيّة المتشظّية والهلاميّة لاسيّما عَقب مواجهة صدمةٍ نفسيّةٍ عميقةٍ. فيقوم بإبراز ذلك بشكلٍ مثيرٍ عن طريق النّسق غير الخطّي Nonlinear للفيلم فيبدأ من نهايته ثمّ تتابع المشاهد برحلةٍ نحو صباح ذاك اليوم الذي كانت أحداثه كفيلةً بتغيير حياة أبطاله إلى الأبد محدثةً صدماتٍ نفسيّةً عنيفةً وكرب صدمةٍ Trauma، ويتعطّل لديهم إدراك الوقت والزّمن متجلّياً بمقتطفاتٍ مهشّمةٍ لذاكرةٍ تحاول أن تدافع عن نفسها. فنستنتج أنّ الصّدمة لها تأثيرٌ عميقٌ على العقل الإنسانيّ بشكلٍ عام وعلى الذّاكرة بشكلٍ خاص وهذا بالضّرورة يؤثّر على فهمنا للواقع الفهم الصّحيح إذ يمكن في حالة الصّدمة أن يبنى هذا الواقع على محاكمةٍ خاطئةٍ جارفاً أصحابه إلى العنف واليأس والاكتئاب والهوس والاضطراب في ظلّ غيابٍ كاملٍ للعقلانية والمنطق مما قد يؤدي لنتائج مدمّرةٍ للحياة، وقد يحدث ما هو أبعد من ذلك فيشتبك الإنسان مع ما يسمّى بالطّبيعة الدّوريّة للعنف أو دوّامة العنف؛ ففعلٌ مؤذٍ واحدٌ يمكن أن يؤدي إلى سلسلةٍ متشابكةٍ من العنف والضّرر والأذى للنّفس والغير على حدّ سواء.

يسلّط الفيلم الضّوء على هشاشة الحياة وعشوائيّة الأحداث، فحادثةٌ بسيطةٌ جدّاً قد نمرّ بها دون التفاتٍ أو حتّى تفكيرٍ كتغيير خطّ وجهتك من شارعٍ إلى نفقٍ يمكن أن تغيّر مسار حياتك كاملةً (صورة ٤). فوجودنا هشٌّ بطبيعته ومعرّضٌ للأحداث غير المتوقّعة، فحين تكون "مونيكا بيلوتشي" بجمالها الأخّاذ وإطلالتها الملائكيّة داخل نفقٍ مظلمٍ مطليّ بلونٍ أحمر كرمز للفوضى والخطر فيما النّفق بحدِّ ذاته يرمز من ناحية علم النفس إلى الانتقال أو العبور من حالةٍ إلى أخرى أو الذّهاب عميقاً في عوالم اللّاوعي الغامضة أو حتّى العبور إلى المجهول بينما الكاميرا تلاحقها كلصّ بصّاصٍ وبلقطةٍ متتابعةٍ One Shot دون تقطيعٍ أو مونتاجٍ ليكون موقع المشاهد هو موقع المتلصّصين Peeping Tom ولهذا رمزيّته أيضاً في التّعبير عن صراع الرّغبات الجنسيّة الدّفينة والمكبوتة وكلّ تلك الرّموز تشير إلى أنّ الأمور لن تسير على ما يرام، وما هي إلّا ثوانٍ معدودةٌ حتّى تتجمّد الكاميرا وتثبت على الأرض وكأنّها مراقبٌ خارجيٌّ لا حول له ولا قوّةٌ، ويتجمّد المشاهد بدوره ولا يبقى له سوى أن يشاهد بانزعاجٍ وقلقٍ نظرات الاستغاثة من "مونيكا بيلوتشي" مستمعاً لصرخاتها بأعصابٍ متحفّزةٍ وصدمةٍ وتقزّزٍ فاقداً بعد ثلاث دقائق كلّ إحساسٍ بما فيه إحساس التّعاطف ويغلبه شعورٌ عارمٌ بأنّه لا يريد شيئاً سوى أن يتوقّف ذاك الصّراخ والنّحيب والبكاء وأن يكتم صوت الاستنجاد الذي يحاصره وكأنّه مقيّدٌ إلى مقعدٍ أو أريكةٍ مراقباً كلّ تلك الوحشيّة بعينين جاحظتين ومشاعر مضطربةٍ. رمزيّاً يمكن أن يمثّل المشهد الصّراع الذّكوريّ الأنثويّ والعنف الجسديّ الذي لا يمكن الهروب منه فلم تتمكن البطلة من الإفلات، وهكذا يُلام المجتمع كاملاً، هذا المجتمع الذي يعاني من الانفصال والاغتراب والانعزال ويخلو من العواطف والصلات أو الرّوابط البشريّة الحقيقيّة بدليل ظهور شخصٍ من بعيد في آخر النّفق أثناء الاعتداء يتوقّف ويشاهد ما يحدث لثوانٍ ثمّ يقرّر المغادرة دون أيّ تدخلٍ (صورة ٥)، ونلاحظ أيضاً أنّ البطل والبطلة ليس لديهما سوى صديقٍ واحدٍ وهو ضمنيّاً معجبٌ بزوجة صديقه (صورة ٦)، ونلاحظ أنّه يسير معه طوال الفيلم وكأنّه عقلٌ باطنٌ يحاول ثنيه عن الانتقام أو قمع حرّيته رغم علمنا المسبق أنّ الصّديق أو القرين المرافق هو من سيقوم بسحل وجه رجلٍ بمطفأة حريق انتقاماً ليكون ذلك بمثابة الرّغبة البشريّة الحقيقيّة في الشّهوات والتّحرر والانتقام.

أظنّ أنّ المخرج أراد للمشهد أن يكون بهذا العنف وبهذا التّرويع لما للعنف الجنسيّ من آثارٍ تفوق كلمة سلبيّة وتتعداها لتكون مدمّرة تجرّد الضحيّة من إنسانيتها. وإن اختلف علماء النّفس التّطوّريون الذين افترض بعضهم أنّ الاغتصاب بحدّ ذاته جزءٌ من الطّبيعة البشريّة كون المغتصبين سيكون لهم فرصةٌ أقوى لاستمرار النّسل وبالتّالي فإنّ جينات المغتصبين ستنتقل وراثيّاً، وهذا ما يجعل معظم رجال الكوكب ممن يحملون تلك النّزعة الدّنيئة التي لم يتم رصدها عند الحيوانات، حتّى ولو زعم البعض أنَّ قرود الأونجاتان الأقلّ حظوظاً يلجؤون إلى عملٍ كهذا ولكن لا يمكن إسقاط ذلك على العلاقات الاجتماعيّة عند كائناتٍ أخرى، ناهيك عن أنّ فرضيّةً كهذه ستكون بمثابة صكّ نجاةٍ للمغتصبين حول العالم فالأمر وراثي تُلام عليه الطّبيعة ولا علاقة للمجرمين به، وهذه النّظرية بالطّبع غير صحيحةٍ جملةّ وتفصيلاً فلا يمكننا علميّاً أو تجريبيّاً تأكيد أنّ هذه الصّفات العنيفة جينيّةٌ متوارثةٌ فمن المستحيل مثلاً تحديد شيفرة حمضٍ نوويّ أو جينٍ مختصّ بنوازع الاعتداء الجنسيّ أو أيّ نوازع أخرى هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ ثانية فإنَّ التّصوّر بأنّ فرص استمراريّة النّسل عند المغتصبين أقوى تطوّريّاً من النّاس الطّبيعيّين هو أمرٌ غير علميّ وغير منطقيّ إذا ما تمَّ حسابُهُ رياضيّاً، فالمغتصب أولاً يجب أن تتهيّأ له ظروفٌ معيّنةٌ منها أن تكون الضّحيّة في فترة الإخصاب وهذا أمرٌ لا تتجاوز نسبته ٧٪ فقط من الحالات، كما أنّ عليه أن يقوم بفعلته تلك مع امرأةٍ ناضجةٍ وخصبةٍ وهذا ما يشكّل أيضاً نسبةً ضئيلةً، ثمّ تأتي عوامل أخرى منها أنَّ قلّةً من النّساء يتممن الحمل النّاتج عن الاغتصاب نظراً لما له من عواقب نفسيّةٍ وجسديّةٍ عليهنّ، و حتّى في حال استمرّ الحمل وولد الطفل فسيكون طفلاً منبوذاً وبالتالي سيكون له فرصٌ أقلّ للبقاء، وبهذا فحظوظ المغتصب في استمراريّة النّسل ضئيلةٌ إذا ما قورنت بنسبة الاستمراريّة فيما لو كانت العلاقة رضائيّةً وتوافقيّةً بين الطّرفين. وهناك عاملٌ آخر لن أهمل ذكره وهو أنَّ العقوبة بحق المغتصبين أمرٌ قديمٌ جدّاً ويعود إلى عصور ما قبل التّاريخ، فغالباً ما يتعرّض المغتصب للنّبذ أو القتل أو الإقصاء. وعلى هذا يمكنني تجاوز النّاحية الأنثروبولوجيّة في هذا السّياق والقول بارتياحٍ شديدٍ أنّ الطّبيعة لن تتدخّل بأفعالنا المشينة أو بالنّفسيّات البشريّة المريضة. وهذا يأخذني إلى النّاحية الثّانية وهي الغوص في الأعماق النّفسيّة للفيلم وسأكتفي هنا بتسليط الضوء على الضّحيّة، فبعد أن نرى حالة الاعتداء الجنسيّ والضّرب العنيفين نكتشف أنَّ البطلة في أشهر حملها الأولى ولم تعرف ذلك إلا صباح ذلك اليوم الذي أخذها نحو النّهاية المظلمة. مصير مونيكا بقي مجهولاً مع نهاية الفيلم، ولكن أغلب الظّنِّ أنّها لم تمت، وسأفترض ذلك جدلاً لأتمكن من طرح سؤالي: أيُّ حياة تلك التي يمكن أن تحياها وهي مصابةٌ باضطرابات ما أنزل الله بها من سلطان؟ بدءاً بكربِ ما بعد الصدمة PTSD، إلى الاضطرابات الجنسيّة Sexuality Disorder، والاكتئاب الحادّ Sever Depression ، وفقدان الشّهيّة Eating disorder، والقلق والأرق Anxiety disorders وتدنّي تقدير الذات low self-esteem انتهاءً باضطراب الشّعور الوهميّ بالذّنب False Guilt Feeling ،والتّفكير بالانتحار الذي قد ينتقل أحياناً إلى حيّز التنفيذ، ناهيك عن الأضرار الجسديّة على الضّحيّة التي سيكون أكثرها أهميّةً هو فقد جنينها الأمر الذي سيزيد من سوء حالتها النفسيّة، ليجتاحها ما يسمّى بمتلازمة صدمة الاغتصاب والتي يمكن لي أن ألخّصها بمرحلتين: المرحلة الأولى: وتأتي متزامنةً مع الأيام أو الأسابيع الأولى بعد الاعتداء وتترافق باضطراباتٍ حادّةٍ من الصّدمة وعدم التّصديق والخوف والقلق والاكتئاب الحادّ والغضب بالإضافة إلى الشّعور بالذّنب ولوم النّفس وحالةٍ من التّخبط في الذّاكرة ثمّ تنتقل بعدها إلى المرحلة الثّانية: وهي مرحلة الانتظام وفيها تعاني الضّحيّة من اضطرابات في النّوم وفقدان الشّهيّة وعدم القدرة على التّركيز وتستمرّ اضطرابات الذّاكرة بالإضافة إلى اضطراباتٍ في العلاقات بشكلٍ عامٍ والحميميّة بشكلٍ خاص ليكون عائقاً أمام استمراريّة علاقتها مع زوجها. ومن هنا ينبع خطر الاعتداء على المجتمع؛ لما فيه من تدميرٍ على جميع الأصعدة، وبرأيي أنَّ أخطر ما يمكن أن يحدثه هذا الاعتداء هو التّفرقة الاجتماعية إذ -ومع كلّ أسفٍ- يظهر ما يسمّى بأساطير الاغتصاب وهي مجموعة معتقداتٍ تبرّر للمجرم فعلته وتلقي اللّوم على الضّحيّة إمّا بسبب ملابسها أو طريقة كلامها أو خروجها لوحدها أو حتّى عدم دفاعها عن نفسها بشكلٍ كافٍ على مبدأ "لو أنّها لم تشتهي أن تغتصب لما اغتصبت" وهي الأخرى ظاهرةٌ لا يمكن تهميش دورها المدمّر لكلّ القيم الاجتماعيّة وتأثيرها كذلك على الضّحيّة إذ يسّبب لها مزيداً من الشّعور بالذّنب والعار والخوف وعدم الأمان أو الاستقرار.

قد يناقش جمهورٌ عريضٌ أنّهُ كان بإمكان صنّاع الفيلم أن ينقلوا الفكرة الرئيسيّة بطريقةٍ أقلّ إيذاءً أو أقلّ سلبيّةٍ وعنفاً، ولكنّي أعترض هنا بشدّةٍ، فمن وجهة نظري أستطيع أن أجزم بأنّه قد تمّ نقل الفكرة بطريقةٍ مثاليّةٍ، فوحشيّة الاعتداءات الجنسيّة لا يمكن تجميلها أو تكحيلها أو وضع المكيّاج لها ويجب أن تظهر بكلّ ما فيها من تجريدٍ للإنسانيّة ومن عنفٍ وتقزيزٍ وقذارةٍ. حتّى المشهد الأوّل الذي اعترض عليه كثيرون وهو سحق وجه رجلٍ بجهاز إطفاء الحريق له أهميّته الرّمزيّة في علم النفس، فالجهاز الأسطوانيّ أو مطفأة الحريق الأسطوانيّة هي رمزٌ للعضو الذّكريّ يتمثّل بالسّيطرة والقوّة والعدوانيّة وقد يكون استخدام الجهاز في الانتقام تعبيراً عن رغباتٍ جنسيّةٍ دفينةٍ لاسيّما إذا ما علمنا أنّ الصّديق يكنّ مشاعر لبطلة الفيلم، علاوةً على ذلك فهو أيضاً نوعٌ من التّنفيس وتحرير العواطف المكبوتة ذلك أنَّ رمزيّة مطفأة الحريق التي تنفث الرّغوة هي إغاثةٌ مؤقّتةٌ للتّوتر النّفسيّ والجنسيّ، ويمكن أن ترمز إلى الصّراعات غير المحلولة المتعلّقة بالذّكورة و يرجح ذلك علمنا أنّ مكان وقوع الجريمة هو نادٍ للشّاذّين جنسيّاً ويسمّى "المستقيم الشرجي" Rectum (صورة ٦) وأخيراً يمكن رؤية مشهد القتل من تلك الزاوية تجسيداً للأنيما والأنيموس Anima and Animus حيث تمثّل الأنيما الصّفات الأنثويّة في نفس الرّجل بينما يمثل الأنيموس الصّفات الذّكوريّة في نفس المرأة، وبذا يكون جهاز إطفاء الحريق سلاحاً في مواجهة هذه الجوانب المتضادّة للذات التي تؤدي إلى أفعالٍ عنيفة ومدمّرةٍ، أو قد يكون رمزاً للتّطهير والتّجديد إذ غالباً ما ترتبط النّار في علم النفس بالتّحول والولادة بالإضافة إلى إزالة أو القضاء على جوانب معيّنةٍ من الذات.

الموسيقى في الفيلم: للموسيقى والصّوت قدرةٌ على استحضار استجاباتٍ عاطفيّةٍ قويّةٍ، ويمكن استخدامها للتّلاعب بمزاج المشاهد. في فيلم اللاعودة استخدم المخرج الصّوت والموسيقا الإلكترونيّة بطريقةٍ ماهرةٍ جدّاً وبشكلٍ متعمّدٍ لخلق شعورٍ بالتّوتر والازدواجيّة، بالإضافة إلى أجواء الرّعب والإثارة التي اعتمدها من أجل تعزيز البنية السّرديّة فلعبت دوراً حاسماً في تشكيل تجربة المشاهد النفسيّة الذي يندفع نحو اللّذة وتجنّب الألم، وفي الفيلم تعمل الهندسة الصّوتيّة على التّلاعب بهذا المبدأ ببراعةٍ فتخلق جوّاً مقلقاً يعزّز استجابات الجمهور العاطفيّة خاصةً باستخدام الأصوات ذات التّردّد المنخفض Low Frequencies والأصوات المتناقضة والضّوضاء البيضاء White Noise والمشوّهة مستغلّاً مخاوف المشاهد وقلقه فيحدث استجابةً غريزيّةً تعزّز الشّعور بعدم الارتياح. يعتمد صنّاع الفيلم أيضاً على التّكرار والصّدمة ويظهر هذا جليّاً في تكرار صوت سيارات الإسعاف والشّرطة في بداية الفيلم أو الصّراخ المتكرّر للبطلة في مشهد الاعتداء الجنسيّ وهذا ما يمثل عمليّة تكرار الخطأ فغالباً ما يندفع الإنسان إلى تكرار الصّدمة في محاولةٍ للسّيطرة عليها، هذه الأنماط المتكرّرة من الإيقاعات تعكس الطّبيعة الدّوريّة للصّدمة من خلال غمر الجمهور بهجومٍ صوتيٍ لا هوادة فيه، فيصبح المشاهد مجبراً على مواجهة قدراته الخاصّة في التّعاطف والتّعاطي مع الأمور.

المهنّد النَاصِر


التعليقات



أضف تعليق
الاسم
البريد الالكتروني
التعليق

© Copyright Maher Sarem 2024

Facebook Twitter LinkedIn instagram tiktok youtube