الرموز النفسية في السينما
September 9, 2023, 1:59 am, By Almohannad Alnasser
ما تجربة السينما غير وحيٍ هيستيري يتحدث إلى إدراكك متسللاً إلى اللاوعي من خلال رموز وإشارات غامضة.
قبل سنوات بعيدة شاهدت فيلم الكلب الأندلسي Un Chien Andalou والذي شارك في إخراجه مؤسس الفن السوريالي سلفادور دالي وصديقه لويس بونويل. وأذكرُ ذلك الشعور الغامض الذي بَعثَ عندي قشعريرة تصيبنا عندما نُوَاجِه على نحوٍ غير متوقع مُحَفِزاً عادياً في ظاهِرِهِ، ولكنه حقيقةً يحمل أصداءً تتردد على مستويات أكثر عمقاً بداخلنا، وفرويد لديه تفسير لتلك الحالة الشعورية التي انتابتني، فما يحدث عندما يتم تذكيرنا بطريقة لا واعية بشيء كنا قد كبتناه فإن تلك المواد المكبوتة تظهر للحظة خاطفة، مخلفةً شعوراً مُبهماً، يصاحبه الفضول والإثارة.
الفيلم استثار عندي عبر رموز خفية دافعاً غامضاً اتجاه الحب والشهوة وصراع الذكر والأنثى، حيث يُظهر العديد من المشاهِد القريبة لشفرة حلاقة يقوم رجل مدخن بشحذها وتقطع عدة أشياء، بما في ذلك عين امرأة، ويمكن اعتبار شفرة الحلاقة رمزًا لصراع القوة بين الرجال والنساء. ويُمثِل رُعب مشهد الشفرة العنف الذي يمكن أن يُلحِقه الذكور بالإناث بسبب رفض الانصياع للدافع الجنسي بشكل رئيسي. الفيلم لا يحمل خطاً زمانياً واحداً، فنرى في مشهد آخر الصعوبات التي يكابدها الرجل للحصول على أنثى متجسدتاً بالمشهد الشهير لرجل يقوم بجر جهازي بيانو عليهما حمار ميت ورجلين متمددين، في إشارة إلى الجهد الكبير والمثير للنقمة والشفقة في الوقت ذاته ولا شك أن للحمار دلالته النفسية فهو بعيداً عن كونه رمزاً للغباء عند بعض الأمم فهو ايضاً رمز للعمل المجهد وقلة التقدير.
قد يعترض كثيرون على تلك التحليلات ويعتبرون أن إشارات كتلك يمكن ببساطة أن لا تعني شيئاً وأنها غير مقصودة ولم يتعمد صناع الأفلام استنباط الاضطرابات المكبوتة وإنما هي محض مصادفة، بيد أنه في عرف علم النفس الكلاسيكي، ما من شيء غير مُهِم، لأن العقل يقوم بالإدراك وعقد الصلات مع تلك التفاصيل الرمزية التي لا ندركها عن وعي.
يمكنني أن أقف عند العديد من الرمزيات التي جاءت في الفيلم أهمها خروج النمل من يد الرجل فيما يقف والمرأة متفاجئين أمام تلك الحالة والتي قد ترمز إلى المرض والاعتداء غير المرحب به وكذا فهي تفرِّغ فجوةً بين الرجل والمرأة فالحشرات غالباً ما ترتبط بشعور مقزز. وهنا لا بدّ أن أشير إلى كارل يونغ الذي يرى أن هناك منطقة تسمى اللاوعي الجمعي ترمز إلى مجموعة أولية من الرموز الكبيرة مثل الأم والأب والحكيم والقائد واذا اتخذت هنا مثال من فيلم آخر فسيكون فيلم فرناندو آرابال (يحيّا الموت) viva la Muerte والذي يتم فيه تمثيل الأم بطريقة مختلفة عن المفهوم العام للأنثى رمز الحنو والخصوبة كعشتار وأفروديت ويصورها بمفهوم آخر وهو آلهة الجنون والغضب عند اليونانيين ونستطيع جلياً أن نرى الأم ترتدي الأسود في معظم مشاهد الفيلم وتقود ابنها إلى مهالك العقدة الأوديبية فيراها سبباً في إعدام والده وتلك هي رمزية جوكاستا والدة أوديب الأم التي تخلت عن طفلها بسبب النبوءة الشهيرة ثم عادت وتزوجته. في مشاهد أخرى يتم تدعيم فرضيّة المرأة الوحشية كمشهد الراهبة التي عاقبته في المدرسة واوقفته أمام الصليب كرمزية أخرى لسلطتها الدينية والدنيوية.
فيما إذا كانت تلك التحليلات أصيلة وصحيحة أو لم تكن كذلك فلا يمكننا أبداً إنكار دور السينما في الدخول إلى أعماق النفس البشرية وتغيير الكثير من مفاهيمها وإخراج مكنوناتها المكبوتة فكم من أفلامٍ غيَّرت وجهة النظر العالمية اتجاه قضية معينة أو فيلم أدى إلى ظهور حالات عنف واضطراب كما فعل فيلم الساعة البرتقالة Clockwork Orange لستانلي كوبريك، ولا ننكر أن صناع الأفلام يدركون التأثير الذي يمكن أن تعكسه الصورة المتحركة في اللاوعي وهكذا يستخدمون كل ما يمكن استخدامه من تقنيات وامكانات تبدأ بحركة الكاميرا واختيار العدسات مروراً بالديكور والأزياء والمونتاج انتهاء بالموسيقى والمؤثرات الصوتية.
المُهَنَّدْ النَاصِرْ