رحلة نحو البداية
September 9, 2023, 1:22 am, By Almohannad Alnasser
آراميٌ، فينيقيٌ، كنعاني أو من بلادِ الشامِ جُذُوري، لبناني أو سُوري لا يمكنني التأكيد ففي عِلم الجينات تَسقط التقسيمات الإقليمية ويتكور الهِلال الخصِيب ليصبِح دَائرياً مُوسعاً انتمائي إلى بِلاد مَا بين النهرين أو الرافدين أو بابل العظمى مُعلِلاً مَا أُحِسُه مِن مشاعر هوى تربطني بالعراق حينَ أطربُ لِمُوسيقاها وأَهيمُ بتراثِها ونَخلِها وإن أشارت أدلة الحمض النووي أن عِندي مِن القُوقَازِية ما يكفي لأُُقدِم نفسي كقوقازيٍ أو فارسيٍ مُبرراً انتمائي هذا بشغفي بالخيام والخوارزمي والبيروني حتى وإن كان الأخيرُ يرى أن قيمة الإنسان بِعلمِهِ لا بِنَسبه، وعلى هذا أندفع متفحصاً في الأبعد من جذوري فأجدها ضارِبة بِشبه جزيرة العرب ممتدةً إلى اليمن السعيد، وهذا ما يذكره التقرير حين يعود بتحليله لشيفرتي الوراثية قروناً وقروناً فلليمن وقلبي أحاديث ذات شجون ووقوف على أطلال بين سدِ مأرب وذمار مَاداً يَدي لأتناول رَغِيف "لحوح"* تشاور به حسناء حضرمية من خلف تنورها وهي تتمايل على صوت أبو بكر سالم مدمدمه "سر حبي ليك غامض" فأنتبه من غموض حبي لبلادِ معبودتي "سبأ"
أنا من عَربٍ أقحاح بِغضِ النَظر إِن كَانُوا عَاربة أم مُستَعرِبة أو حتى بَائدة فستختفي العَصبيةُ القَبلية واللُغوية أمام عِلم الوراثة خاصة إذا ما عُدنا إلى الهجرة الأولى مِن افريقيا والتي اختلفَ فيها العُلماء فيما إذا تمت عَن طريق "باب المندب" أو عن طريق صحراء "سيناء" وإن كانت دِراسات الحِمض النووي الأخيرة تشير إلى أن عَرب شِبه الجزيرة قد جاؤوا من آسيا الأوروبية والحمض النووي لا يكذب ولكن يجب أن ندرج جميع الاحتمالات خصوصاً حين وقفت على منارة الطائي حاتم في مدينة حائل ولمست ارتباطاً بالمكان لم أستطع له تفسيراً سوى أنه ارتباط أخلاقي وإنساني برجل تجلت به أسمى المناقب وأرقاها وضربَ الخلقُ بكرمه المَثل، وهذا المثَل يَمتد ويتفكك وصولاً إلى عتبةِ التشرذم النفسي المبعثرة من بقايا تكويني فوق أرض الكنانة ثم تتجمع من جديد حين وقوفي على نِيلِها متشبعاً بألق منارتها لامساً في كل حجرٍ بخان الخليلي حكاية تسردُ لي أن بداياتي كانت هنا ما عدا ذاك الحجر الهَارِب مِن عامودِ معبدٍ أنَاضولي يُخبرني أن أسلافي حضروا إلى هنا من "طروادة" مفسراً تأييدي للملك "بريام" ضد "آجممنون" حين قرأت ملحمة هوميروس ويبدوا أنَّ أجدادي الذين خسروا الحرب بخدعة "أوديسيوس" قد حملوا ثقافتهم إلى جزيرة قبرص قبل أن تطالها التقسيمات الجيوسياسية بين اليونانيين والأتراك فأسلافي أكبَر من التداعيات والنزاعات والترتيب الديموغرافي، وهذا تحديداً ما بَصقَ على مفاهيم Arthur De Gobineau المشوهة عن العرق الأبيض الصافي التي افترضت أن البشرية بدون هذا العرق ما كانت لترى حضارة، ولا قامَت لَها قَائِمة، فاسمَح لِي أن أُخبِركَ يا مستر "آرثر" أن "السيبيريين" مِن نَسبي العَتيق كانُوا قَد تَلاحَمُوا فِي ثَلاثة كائِنات هُم "السيبيانز" Homo Sapiens و"النياندرثال" Homo Neanderthal و"الدينوزوفان" Denisovan ولعلَّ هذا بالتَمام مَا يُفسِر حَملِي لِجينَات نَوعين بَشريِين مُنفَصلين ولا أدري تَحديداً إِن كَان أحد أسلافي مِن رِجال "السيبيانز" قد سقطَ صَريع حُب فاتنةٍ من "النياندرثال" أم أن تلك المَليحة مِن "النياندرثال" قَد أسَرتها سُمرةً افريقية في جدي السيبيانز واغفر لي إن لم أحدد أيٌ الفرضيتين أقوى ولكن العلم قد سجلَّ أنهما كانا قد عاشَا بكهفٍ تغمرهُ ألفة وسمو فوق كل عرق وانتماء وطائفة ولربما نحتها أو نحتته على صوان لم يحرقه الزمن كما أحرق تقسيماتك العنصرية حتى وإن تبنتها إلى يومنا هذا مع الأسف الشديد شرذمةٌ من الحاقدين "اليوجينيكس" Eugenics فلا بدَّ أن الزمن سيمحقهم وسينتهي كل عُنصريٍ لَم تُميّزه إنسانيته للإيمان بِأدلة العِلم فِي أننا جَميعاً بَدأنا بِيومٍ مِنَ الأيام فِي أفريقيا الشَرقية هُناك حيث كان لي جدة عاشت قبل مئة وثمانين ألف عام، تميّزت بحكمتها وخصوبتها وحبها للبقاء كبقيةِ الأمهات من جماعة الهابلو يو٧ Haplogroup U7 ولو كان لكل شخصٍ منا أن يتتبع سلالته الأمومية لآلاف من الأجيال الغابِرة فإننا جميعاً سنتقاطع في أنثى واحِدة عَاشت هُناك ومِن نَسلها جاءت حَفيدة رَحلت إِلى الشرق الأوسط ومن سلالتها تَشعبَت الأجناس إلى آسيا وأوروبا ومنها إلى أصقاع أما جدي الأول من الهابلوجروب إي Haplogroup J-M304فقد تفرع منه ناشروا الزراعة إلى أوروبا وآسيا الوسطى ومنهم جاءت اللغات الساميّة ولسانهم يقول:
راحَ الشقيُّ على دارٍ يسائلُها ***** ورحتُ أسألُ عن خمّارةِ البلدِ
المُهَنّدْ النَاصِر
مراجعة علمية: إيِنَاس عبد العَزيز.
تدقيق بلاغي: سمير الناصر.