من وحيّ فيلم عرس الجليل للمخرج ميشيل خليفي
September 8, 2023, 2:26 am, By Almohannad Alnasser
تختفي الصبيةُ المعمّدة بطيلسان* زفافها، متلمسةً كفيها الناعمين اللذين لم يَجِفَا مِن شُحِ حَياة تَترصَدها، فإِلى غُرفةٍ رُباعيةِ الجدران حَمَلَت تأملات يَقظتها بِفارسِ أحلامٍ سيزيل بيوت عنكبوت ضاربة ببنات أفكارها ما شاءت من نقائض وأضداد، تجمع خصوبةً وقحلاً، رهبةً وأمناً، كابوساً وحلماً لازوردياً، انتظاراً ووصُولاً لِقادمٍ مَجهول يُطارِدها كَشيطانٍ مَارِق فإما أن يَرفعها لِتكون مِن المُحصَنَّات وإِما أن يدفنها أسفلَّ السافلين.
على الطرف الآخر من الجدار اليميني المتهالك بسبب قذيفة سقطت بجانبه قبل عدةِ أعوام ووراء باب خشبيٍ يَتَعلقُ مُتشبثاً بالأرضِ، يقف بدون حِصان أَبيض فارِسُها الأَمين الذي عاهدَ نفسه، بل وعاهدها أن يكون مختلفاً عن والده وعن أسلافهِ وآمنَ أن سقف تلك الحُجرَة سيغطيهما برومانسيات وشاعرية وحب وعائلة وثورة وتحرير فَتَعمَّدَ هو الآخر بِحُلّةٍ جديدة ولحيةٍ حليقة وشعرٍ مُشذَّب داخلاً إلى خِدرِ التناقضات تاركاً وراءه أقارباً فضوليين وعَشيرة حشريّة يلتصقون بالباب وكأنهم بانتظار تحرير أسيرٍ. يركعُ فارسنا على أرض الغرفة باكياً، خَجِلاً، فقد خانَتهُ رجولةٌ مزعومةٌ تمَّ تلقِيحه بِها لِسنوات، فِيما الحَشدُ العَظيم يُزمجر ويَتملمَل ليزيد مِن كثافةِ الحَرارةً مَعَ كُل "هُمَزةٍ لُمَزَة" عَلى غِطاء سَرير أبيض محنّى بنقطةِ دم.
يصبُ صاحبنا حقده على أبيه مشعِلاً ثورة داخليّة مهدداً بِقَتلهِ، رَاداً إلى نرجسيّة والِده المُفرِطة ما يَتعَرض لَهُ مِن حَالةٍ نَفسِية مُتضاربة، وتستحيل ثواني الإحباط إلى عصور وتَمتَطُ مُتمددةً إلى ما لانهاية لولا أن تقطعها قدمٌ بيضاء نحيلة مُحتَلَةً مَساحات خَوفِه وعَزلته، مُواسيّةً مُشجعةً، مُستَفِزّةً رُجُولَته بِقُبَلٍ مَدَارِيةِ المناخ تحدِثهُ أن نسغ خلية الحَياة الأولى لَم تَكُن عَذراء ولَم تَمتلِك مُقومات الشرفِ بِمفهومها الراهن، حاملة إياه ليلوذا بعناقٍ سابحين في كوثرِ مُضَمخ بِكائِنَات تُعلِمهُم بأن تلك الخلية المركبة من أغشية ومخاطيات ليس حِكراً على بَنات الجِنس البَشريِّ فالخيول والضباع والخلدان والفيلة والحيتان والدلافين وكثير من إناث المخلوقات لَديهن ذات الغِشاء الذي لم يُشكل عندهن لعنة كما شَكلها عِند الآدميين، ولم تجتمع الحشود على أبواب غرف العرسان في انتظار "زلغوطة" تصم أذن المَنطِقِ والموضوعية المُعتَمدين لِدَحضِ فَرضِية "سميث" Smith القائلة بأن ظهور هذا الغشاء كان اصطفاءً جنسياً إغوائياً Expatation قائماً على رغبة الذكور بالزواج من عذروات، لتحاصره كوابيس جهنمية خارجة مِن "رسالة الغفران" وحقيقة مجنونة بأن فتيات شعوب "اليونجار" Yungar الأسترالية اللواتي ولدن بدون غشاء أو فقدنه في طفولتهن لسقطة من شجرة أو تعثرٍ أثناء اللعب قد جعل مِنهُنَّ ضحايا تجويع وتعذيب وقتل. كما تتعذب الآن آخر عروق الحياة في وجهِ فارِسنا المُكبّلِ عَن إِثبات فُحولته، وسَيقتل تهليلات النصر إذا لم يَخرُج ملوّحاً بِرايَتِه البيضَاء المُلطخَة بِتلك البُقعة التي حَاول علماءُ أحياءٍ شرح أن أهميتها تكمن في استمرار وجودها عند البشر بعد الولادة مقارنةً بكائنات أخرى مثل القرود العظمى التي تفقد الغشاء في المرحلة الجنينية، وإن هذا الغشاء بأحسن أحواله ليس إلا جزءاً من آلية الدفاع عند الرُضّع وإن كان له وظيفة فهي لا تتعدى حماية المهبل من مصادر عدوى خارجية أو فيروسات قد تصيبه خاصة في سنوات الطفولة الأولى لتنعدم أهميته بعدّ سن البلوغ، بل وفي أوقات معينّة قد يكون خطراً وتستوجب إزالته بعملية جراحية في الطفولة، كل تلك الحالات لا تنطبق أيٌ منها على بطلتنا الفاتنة فهي تعلم أنها عذراء وتدرك الفرق ما بين عذرية وعفة وما بينَ غشاءٍ وشَرَف، وتَفهَم أن رجولة من ترتبط به هذه الليلة لا تأتي من عجزٍ مؤقت حلَّ عليه كَلعنةٍ، عالِمةً أن جَرحَهُ النازِف آتٍ من أنانيّةٍ أبويّة لم تستمع لرأي بنينها يوماً، وتعجرفٍ يمارسه محتل لأرضه وداره وكرامته ساخِراً مُستهزِئا مُتَكبراً ومُسلحاً بِبَنادق وجرافات تَرصد الأحدَاق وتقتلع العيون من غيرِ عيون جميلتنا التي تضيء ما تبقى في الجو من قناديل فلكيّة وأنابيبَ شعريّة، مشعلةً عيني زوجها ببريق من الثقة والإعجاب والأمل وبجملةٍ تختصر معاناة تمتد لأكثر من خمسةِ آلاف عام تقول بلهجتها الفلسطينية العذراء كأرضها: "رح افتض بكارتي بإيدي، إذا بكارة البنت هي دليل شرفها فإيش هو دليل شرف الرجل".
المُهَنَّدْ النَاصِرْ
Function of Human Hymen A.J. Hobday, L. Haury, P.K. Dayton
فيلم عرس الجليل للمخرج ميشيل خليفي